تفسير قوله تعالى فويل للمصلين إلى آخر السورة

فتاوى الشيخ ابن باز عدد الزيارات: 21924 طباعة المقال أرسل لصديق

الأخوان يطلبون من سماحتكم تفسير قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[الماعون:4-7].


الآية على ظاهرها، والويل إشارة إلى شدة العذاب، والله -سبحانه- يتوعد المصلين الموصوفين بهذه الصفات التي ذكرها -سبحانه- وهي قوله: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ، ليس سهوهم عنها الترك، لأن الترك كفر أكبر نسأل الله العافية، ولكنه نوع من التساهل كتأخيرها عن أدائها في الجماعة، والتهاون في بعض مكملاتها التي يجب أن تفعل، ونحو ذلك مما يتعلق بالنقص فيها، فهذا فيه الوعيد، أما إذا تركها عمداً، فهذا يكون كافراً كفراً أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، فهذان الحديثان وما جاء في معناهما حجة قائمة، وبرهان ساطع في كفر تارك الصلاة نعوذ بالله، وإن لم يجحد وجوبها، لكن إذا تساهل فيها بأن تساهل في أدائها ولم يؤدها كما يجب، أو تأخر عن أدائها في الجماعة فهذا يعتبر من السهو عنها. أما السهو فيها فهذا ليس به شيء، وليس فيه وعيد، فقد سها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسها المسلمون، فالسهو يقع من المؤمن في الصلاة، وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحكامه، ولكن المقصود السهو عنها، وذلك بالتساهل والتهاون في أدائها كما أوجب الله، وأعظم من ذلك وأدهى وأمر الريا نسال الله العافية، كعمل المنافقين، فإن المنافق كفره أشد من كفر الكافر، فإذا صلاها رياءً لا عن إيمان بأنها فرض عليه، فإنه يكون كافراً وصلاته باطلة، فإن صلاها رياءً نافلة بطلت أيضاً. فالواجب أن يصلي المؤمن لله وحده، يريد وجهه الكريم، ويريد الثواب عنده -سبحانه وتعالى-، ولعمله بأن الله فرض عليه الصلاة الصلوات الخمس، يؤديها إخلاصاً لله وطاعة لله وتعظيماً له، وطلباً لمرضاته -سبحانه وتعالى-. ومن صفاتهم أنهم يمنعون الماعون، الماعون فسر بالزكاة، وأنهم يمنعون الزكاة؛ لأن الزكاة قرينة الصلاة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ[البينة: 5] وقال تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ[البقرة: 43]، وقال قوم آخرون من أهل العلم: إنه العارية الذي يحتاجها الناس ويضطرون إليها، كالدلو لجلب الماء، والميزان للحاجة، والقدر للحاجة، ونحو ذلك، ولكن منع الزكاة أعظم وأكبر، فينبغي للمؤمن أن يكون حريصاً على أداء ما أوجب الله، وعلى مساعدة إخوانه عند الحاجة، بالعارية، لأنها تنفعه إخوانه، وتنفعه أيضا ولا تضره، فينبغي له أن يساعد بالماعون الذي يحتاجه جيرانه وإخوانه من قدرٍ أو ميزان أو دلو أو غير هذا مما يحتاجه الجيران، والله ولي التوفيق. جزاكم الله خيراً ونفع بعلمكم.